وفعالاتهم وقالاتهم الإيمانية ، فكذلك الأمر لهؤلاء الذين يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
فهم أولاء يقاتلون حتى يتركوا فتنهم التي تسمح لقتالهم ، انطفاء لنارهم الحارقة ، فإما إيمانا أم تركا لفتنتهم ، ثم يدفعوا الجزية عند ما دخلوا في السلطة الإسلامية دون قتل لهم أو أسر إكراها على الدين ، إذ (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) فهم لا يتركون ـ إذا ـ بحريتهم الشريرة ، بل هم يعيشون تحت الرقابة والحفاظة الإسلامية بأداء الجزية عن يد وهم صاغرون ، رقابة تسلب عنهم فتنهم وتفرض عليهم أدبا إسلاميا بما يلمسونه في ذلك الجو السامي.
وذلك تعديل ليس عنه بديل في التعامل التعايش بين المسلمين وهؤلاء المتخلفين من الذين أوتوا الكتاب ، فقه حكيم مستنير ينير الدرب على من يدق باب الهدى أم يتحرى عنها.
وطبيعة الحال هي عدم إمكانية التعايش بين المسلمين والكفار إلا في ظل ظليل من أوضاع ومقررات عادلة بطبيعة المنهج الحركي الإسلامي ، مقابلة للواقع المرير الشرير الكافر بحركة عاقلة عادلة مكافئة له ، متفوقة عليه ، لكي يصلحه أم يسلخه لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ، (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) (٨ : ٣٩).
وهنا ـ في حقل أهل الكتاب ـ يختص القتال فالجزية بمن فيه هذه الدركات السبع ، وأما الصالحون منهم المتقون فلا ، إذ (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ، يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (٣ : ١١٥) (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (٥ : ٨٣).