فيرد عليه بأضعافها حتى يرضى يقول : «لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي أو ثقفي أو أنصاري أو أوسي» لأن هؤلاء ليسوا من الأعراب البدويين.
ذلك ، ومن قسوتهم أن «قدم ناس من الأعراب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا : أتقبلون صبيانكم؟ قالوا : نعم ، قالوا : لكنا والله ما نقبل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وما أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة» (١).
وهكذا نسمع تاريخ الأعراب قبل إسلامهم وبعده عن طابع الجفوة والفظاظة في نفوسهم.
(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٩٨).
«ومن» هؤلاء «الأعراب» الذين هم أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألّا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله (مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ) مصلحية الحفاظ على ظاهر الإيمان «يتخذ» ه «مغرما» تألفا ، إذ لا يؤمن بالله حتى يكون إنفاقه في سبيل الله فيرجو ثواب الله ، ثم (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) السيئة أن تدور بكم وتحور حولكم (٢) جبرا لكسرهم ـ ولأقل تقدير ـ رجعا لما أنفقوه من غنيمة وسواها ، ولكن «عليهم» أنفسهم (دائِرَةُ السَّوْءِ) إذ يرجع إنفاقهم النفاق عليهم وزرا ووبالا ، ولا تدور الدوائر المتربصة لهم على المؤمنين إلّا عليهم أنفسهم (وَاللهُ سَمِيعٌ) بقالهم «عليم» بحالهم وفعالهم ، وهذه طبيعتهم الشريرة القاحلة الجاهلة إلّا من هدى الله.
ولأن المغرم من الغرم وهو نزول نائبه بالمال ، لازبة به ، فقد خيّل
__________________
(١) من حديث مسلم قال حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة وابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت : قدم ...
(٢) الدوائر هي الحالات والأزمنة التي تدور حول الإنسان بأعيانها وأشيائها وكأنها هيه وقد اختصت بالمواضع المكروهة التي تدور على الإنسان وتحيره أو تغيره.