نفاقهم ، وأخرى لغلظة حيث (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) (ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) وذلك ثالوث العذاب ، فترى ما هما «مرتين» قبل (عَذابٍ عَظِيمٍ)؟ هما عذاب في الدنيا وكما يروى (١) وعذاب في البرزخ ومن ثم عذاب عظيم في الأخرى.
ذلك ، وقد تعني «مردوا» إلى (مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) (مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ) حيث تعطف (مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) إلى «من حولكم ..» فهما ـ إذا ـ (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) ومما يؤيده أن (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) فكيف تختص (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) ب (مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) فهم ـ كما هنا ـ يتقدمون على (أَهْلِ الْمَدِينَةِ) لأن نفاقهم أشد وأمرد.
(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٠٢).
«وآخرون» من الأعراب ، لا هم من المنافقين العاديين ، ولا الماردين على النفاق والشقاق ـ وهما مشتركان في عدم الاعتراف بذنبهم نفاقا ماردا وسواه ـ (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) في نفاقهم اعتراف التوبة أم لمّا يتوبوا وهم متحرون عنها ، حيث الاعتراف بالذنب هو من تقدمات التوبة وليس
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٧١ عن ابن عباس في الآية قال قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم جمعة خطيبا فقال : قم يا فلان فاخرج فانك منافق فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم ولم يكن عمر بن الخطاب شهد تلك الجمعة لحاجة كانت له فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم استحياء انه لم يشهد الجمعة وظن الناس قد انصرفوا واختبئوا هم من عمر وظنوا أنه قد علم بأمرهم فدخل عمر المسجد فإذا الناس لم ينصرفوا فقال له رجل أبشر يا عمر فقد فضح الله المنافقين اليوم فهذا العذاب الأول والعذاب الثاني عذاب القبر ، ورواه مثله أبو مالك ، وفيه عن أبي مسعود الأنصاري قال : لقد خطبنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبة ما شهدت مثلها قط فقال أيها الناس إن منكم منافقين فمن سميته فليقم قم يا فلان يا فلان حتى قام ستة وثلاثون رجلا ثم قال : إن منكم وإن منكم وان منكم فسلوا الله العافية فلقي عمر رجلا كان بينه وبينه إخاء فقال ما شأنك فقال أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبنا فقال كذا وكذا فقال عمر أبعدك الله سائر اليوم.