هو بنفسه التوبة ، وهم قضية اعترافهم بذنبهم ـ تابوا أم لما يتوبوا ـ (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً) قضية إيمان بعد اعترافهم (وَآخَرَ سَيِّئاً) إذ لمّا يتوبوا توبة نصوحا ، أم تابوا وهم ناقصون فيها ناقضون إياها أحيانا (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) فهم (مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) (٩ : ١٠٦) فإن عذبهم فبما يستحقون ، وإن تاب عليهم فبما اعترفوا وعملوا صالحا خليطا بآخر سيئا (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وقد تدل (أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) أنهم تابوا.
فآيتا (عَسَى اللهُ) و (مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) هما وسط عوان بين آيات تعد قاطع العذاب وأخرى تعد قاطع الرحمة والثواب ، فالرحمة هي قضية اعترافهم بذنبهم ليتوب عليهم في سيئاتهم بعد توبتهم ، والعذاب هو قضية (آخَرَ سَيِّئاً) إذ لم يتوبوا أم لم تتم توبتهم وتطم ، أم نقضوا توبتهم فتفلتت عنهم سيئات ، فهم على أية حال من أهل النجاة بما اعترفوا وعملوا من الصالحات ، وإنما الرجاء هنا بالنسبة ل (آخَرَ سَيِّئاً) ف (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) عساها ترجح توبته عليهم ، دون «إما يعذبهم أو يتوب عليهم» فإن عساها مرددة بين الأمرين.
و «عسى» هنا و «إما» هناك من الله لا تعني ترددا وترجيا لله ، بل هما بيان لموقفهم من الله ، أنه بين هذين دون تحتم لأحدهما.
ذلك ، وفي رجعة أخرى إلى الآية ، هنا عملا في (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) قد تعم عمل الجانحة إلى عمل الجارحة ، فإن كلا من الإيمان والعمل الصالح حين يفرد عن قرينة يشمل قرينة ، فكما العمل الصالح هو من الإيمان كذلك الإيمان هو من العمل الصالح ، بل هو أقدم وأحرى أن يسمى عملا صالحا ، فقد (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً) عقيديا وعمليا وكذلك (وَآخَرَ سَيِّئاً) فلم يخلص إيمانهم ولا عملهم عن سوء ، ولأنهم اعترفوا بذنبهم يوم الدنيا ، حيث الاعتراف بعد الموت لا يفيد ، بل وكلّ معترف بسيئاته شاء أم أبي ، وإنما هو الاعتراف قبل الموت ، مما يجعله كأنه تائب ، فان التائب عن الذنب كمن لا ذنب له ، وغير المعترف مذنب ، والمعترف بذنبه عوان بينهما ، ولذلك قد يتوب الله عليه هنا بعد