الموت إذا لم يكن مانع عن هذه التوبة الربانية ، وهنا (عَسَى اللهُ) بيان لظروف مختلفة في بعضها يتوب الله وفي بعض لا يتوب ، وكل قضية الرحمة الصالحة الربانية (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
ولو أن (عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) اختصا بغير العقيدة والطوية ، ف «آخرون» هم غير العدول من المؤمنين وهم الأكثرية الساحقة منهم ، إذ العدول قلة قليلة ، والله يعد من رجحت حسناته على سيئاته ، ومن يجتنب كبائر السيئات ، يعدهم ومن أشبه ، المغفرة والتكفير ، فلا موقع ل (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) بل هو الذي وعد التوبة عليهم.
ولقد وردت روايات حول شأن نزولها (١) ولكنها كسائر القرآن ليست لتختص بمنزل خاص ، فإنما العبرة بعموم اللفظ دون خصوص المورد.
وهنا (عَسَى اللهُ) نص في الرجاء ، إلّا أن الرجاء المنصوص من الله في العفو نص في العفو ، فإن الله لا يعفو إلّا فيما يصلح فيه العفو ويصح ، وأما ما لا يصلح أو يصح فلا مورد فيه ل «عسى» ومما تلمح له «عسى» سلبيا أنهم قد يرجعون إلى ذنبهم ويموتون عليه ، فكيف يعفى عنهم ، فقد تعني «عسى» بما عنت ، أنهم إن ماتوا على توبتهم فالله تائب عليهم.
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٧٢ عن ابن عباس في الآية قال : كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك فلما حضر رجوع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد وكان ممر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا رجع في المسجد عليهم فلما رآهم قال : من هؤلاء الموثقون أنفسهم؟ قالوا : هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوثقوا أنفسهم وحلفوا أنهم لا يطلقهم أحد حتى يطلقهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويعذرهم ، قال : وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله هو الذي يطلقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين ، فلما بلغهم ذلك قالوا : ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا فأنزل الله عزّ وجلّ : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) وعسى من الله واجب انه هو التواب الرحيم.