(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) الموصوفين بهذه العشر ابتداء ب (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ) فتلك إذا عشرة كاملة في صفات الإيمان وقد جمعت كافة المسؤوليات الإيمانية فردية وجماعية.
ولأن المسؤوليات الجماعية التي تصنع الجماعة المسلمة ليست إلّا بعد تحقق الفردية ، لذلك تقدمت هي عليها ، تقديما للجمع بينهما (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) وتأخيرا له (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) وبينهما متوسطات بين فردية محضة أو جماعية محضة.
إن حدود الله المحدودة في القرآن والسنة لها حفاظات حسب مختلف الملابسات لا حول عنها أبدا ، اللهم إلّا من حد إلى حد هو أهم منه حسب المقرر في شرعة الله.
وهنا عديد قاصد (لِحُدُودِ اللهِ) وفقا بين الحافظين الأصليين لحدود الله الأربعة على الإسلام ، وذكرها في القرآن بنفس العدد : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) (٤ : ٤) ـ (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (٦٥ : ١).
وترى ما ذا يعني الترتيب القاصد بين الست الأولى والثلاث الأخرى؟
«التائبون» تعبيدة لصالح العبادة ، سواء أكانت توبة عن ذنب ، أم توبة ارتقاء عن الحالة الحاضرة إلى أرقى منها وأعلى ، حتى تحل العبادة موقعها الأعلى ، تحلية عبد تخلية ، حيث يتخلى عن ذنب أو نقص آخر ثم يتحلّى بالعبادة.
ثم «العابدون» تحلق على كافة العبادات ، توحيدا لصالح العبادة لله بعد توحيد التوبة والإنابة إلى الله ، إذا ف (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) هما عبارة أخرى عن : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ).
ولأن الأصل العبادة هو الحمد لله كما يحق له ، ف «الحامدون» هي ثالثة الأوصاف للأوفياء المؤمنين ، ثم الحمد العبادة والعبادة الحمد لا بد لهما من حراك وسيح دون جمود ، فالسيح فيهما هو المرغوب المطلوب.