ولو أن والده في «والدي» هو أبوه آزر ، لكان في ذلك مس من كرامة العصمة الربانية حيث أخبر تعالى أنه : (تَبَرَّأَ مِنْهُ) والاستغفار ينافيه! وهكذا العصمة الإبراهيمية حيث كانت براءته مفروضة فتركها مرفوض في شرعة الله.
فقد كان إبراهيم يستغفر لوالديه عند رفع قواعد البيت وهو في أخريات عمره الطويل ، ومات أبوه آزر في شبابه ، فلا يعني من (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ) أباه آزر وقد تبين له ـ من ذي قبل ـ بموته مشركا أنه من أصحاب الجحيم (١)(إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) أواه إلى الله راجعا إليه عن خطأه غير العامد «حليم» مع أبيه المشرك حتى يلتقط من (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) أنه واعده التحري عن الحق ، فالأوّاه هو كثيره الأوه واللهف والتّلهّب في الدعاء ، والرجوع إلى الله (٢).
فقد تعني (مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) كلتا الموعدتين ، الأولى موعدة آزر إبراهيم أن يتحرى ، والثانية موعدة إبراهيم آزر لنفس الموعدة أن يستغفر له ، بفارق أن موعدة إبراهيم كانت واقعة دون آزر ، وقد استغفر له ، ثم
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٢٧٤ ـ أبو إسحاق الهمداني عن الخليل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : صلى رجل إلى أجنبي فاستغفر لأبويه وكانا ماتا في الجاهلية فقلت تستغفر لأبويك وقد ماتا في الجاهلية؟ قال : فقد استغفر إبراهيم لأبيه ، فلم أدر ما أرد عليه فذكرت ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل الله (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ ..) قال : لما مات تبين أنه عدو لله فلم يستغفر له.
(٢) تفسير الفخر الرازي ١٦ : ٢١١ يروى أن زينب تكلمت عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يغير لونه فأنكر عمر فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : دعها فإنها أواهة قيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما الأواهه؟ قال : الداعية الخاشعة المتضرعة ، وفي الدر المنثور ٣ : ٢٨٥ عن جابر أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل لو أن هذا خفض صوته فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : دعه فإنه أواه وفيه عن عقبة بن عامر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لرجل يقال له ذو البجادين إنه أوّاه وذلك أنه كان يكثر ذكر الله والدعاء ، وفيه عن أبي ذر قال : كان رجل يطوف بالبيت ويقول في دعائه : أوّه أوّه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنه لأوّاه.