النفير في سبيل الله فحددهم عند حده ، إخراجا لهم عن جزره ومده قائلا :
(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١٢٢).
هنا يقتسم المؤمنون إلى قسمي القاعدين للتفقه في الدين والخارجين النافرين لصيانة الدين في جبهات الحرب ، مما يدل على واجب التفقه في الدين وجوبا عينيا دونما أية وقفة ، حيث الحرب أحيانية ، وهي على بالغ فرضها ضد أعداء الدين واجب كفائي ، فكما الفتنة أكبر وأشد من القتل ، فالتفقه في الدين حفاظا على صالح العقيدة الصامدة أوجب من القتال ، حيث العدو المقاتل يشكّل خطرا على الأبدان ، والداعية المضلة تشكل خطرا على العقيدة والأرواح في الأديان ، فالحفاظ على الروحية الإيمانية أولى من الحفاظ على الدماء وأوجب.
ولأن النفر ـ وإن كان في الاستنفار العام ـ لا يعم كافة المؤمنين ، ضرورة بقاء المعذورين ، وآخرين يتفقهون في الدين ، لذلك (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) نفرا جماعيا للكف عن دين الله ، وحين لا يمكن ولا يجوز أن ينفر المؤمنون كافة (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) والفرقة هي الجماعة الفارقة بينها وبين جماعة أخرى بمختلف الأشغال والمسؤوليات ، ومختلف الطاقات والإمكانيات ، ومختلف الأواصر والقرابات ، فرق مجتمعة على دين الله ، مفترقة فيما يفرق بعضهم عن بعض في هذه وما أشبه.
وطائفة من كل فرقة ، جمع منها مرابطة تطوف حول الآخرين مراسة في حراسة عليهم ، حفاظا على الدينين بنواميسهم وبلادهم ، فالذين بإمكانهم ذلك التطواف ، عليهم ذلك النفر حفاظا على الحدود والثغور الظاهرة ، ثم الباقون (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) بردح النفر لهؤلاء (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) الطائفين النافرين (إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) المحاذير