وهنا (قاتَلَهُمُ اللهُ) ليس دعاء حيث الدعاء ليس إلا ممن لا يقدر على أن يحقق مأموله بنفسه فيطلب ممن هو فوقه ، فهو إخبار أن قتل الله فطرهم وعقولهم كما قتلوها قضية المفاعلة المعنية من المقاتلة ، فلما قالوا ما قالوه وفعلوا ما فعلوه وافتعلوا ما افتعلوه ختم الله على قلوبهم بما ختموا ف (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٣١).
اتخاذ الربوبية في هذا المثلث لا يعني فقط أنهم ربّبوهم كما الله ، بل وهو معاملتهم معهم كما يعامل الرب في البعض من اختصاصات الربوبية ، فقد اتخذوا المسيح ربا في خرافة الأقانيم واتحاده بذات الله ، وعبادتهم له كما الله ، وذلك يختلف عن سائر الاتخاذ في أحبارهم ورهبانهم ، حيث أطاعوهم كما يطاع الله مشرعا ، فاتخذوهم أربابا في حقل التشريع ، فأصغوا إليهم كامل الصغي فيما أحلوا أو حرموا (١) ، وفي الفصل بين (أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ) وبين (الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) تلميح لاختلاف الاتخاذين ، كما أن «ابن مريم» تستأصل الأخير ، ذلك ومن أحبارهم ورهبانهم من يخيل إليهم أنهم نواب المسيح (عليه السلام) في البنوة الإلهية أو الإلهية نفسها نسخة طبق الأصل ، بما يشربون الخمر ويأكلون الفطير ، بان الخمر دم المسيح والفطير لحمه ، فهم يصبحون ـ إذا ـ نفس
__________________
(١) في تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهما السلام) في قوله : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ...) أما المسيح فعصوه وعظموه في أنفسهم حتى زعموا أنه الله وأنه ابن الله وطائفة منهم قالوا : ثالث ثلاثة ، وطائفة منهم قالوا : هو الله ، وأما أحبارهم ورهبانهم فإنهم أطاعوا وأخذوا بقولهم واتبعوا به ما أمروهم به ودانوا بما دعوهم إليه فاتخذوهم أربابا بطاعتهم لهم وتركهم أمر الله وكتبه ورسله فنبذوه وراء ظهورهم وما أمرهم به الأحبار والرهبان اتبعوه وأطاعوهم وعصوا الله ورسوله ، وإنما ذكر هذا في كتابنا لكي نتعظ بهم فعير الله تبارك وتعالى بني إسرائيل بما صنعوا يقول الله تبارك وتعالى : وما أمروا ألا ليعبدوا إلها واحدا سبحانه وتعالى عما يشركون.