يوسف لكانوا يتسابقون في تأويله حظوة عند الملك كما حظى الصديق ، ولكنهم علموا ظاهرا منه سطحيا فهابوا الملك أن يؤلوه بما علموا و (قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ ..)!.
(وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ)(٤٥).
(الَّذِي نَجا مِنْهُما) هنا هو (لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا) هناك ، حيث قال له يوسف (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) وهو الآن «ادّكر» ما ذكّر قبل «بعد أمة» منه ، ولأن له حظوة ومنزلة في تأويله .. «قال» بكل جرأة وطمأنينة (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) تجهيلا للملأ ، وتثبيتا أن ما راه الملك ليس من (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) وحتى لو كان منها فان له تأويلا يعرفه أهله «فأرسلون» أيها الملأ ، دون «فأرسلني» إذ لم يكن هو من الملأ المخاطبين المطلوبين ، فهو ساقي الملك وأنّى له أن يكون من الكهنة ورجال الحاشية.
وإنما يجرئه على ذلك رغم الملأ ، حيث جرب يوسف من قبل فوجده عليما بتأويل الرويّ صادقا في الحق وحقا في الصدق ، وعلّه استفاد من يوسف ـ لأقل تقدير ـ ان لكل رؤيا تأويلا مهما كان من أضغاث أحلام ، وإلّا فكيف يورط نفسه فيما ورّط واهل التأويل يقولون ان ليس لها تأويل؟!
(أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) والنبأ خبر ذو فائدة عظيمة ، وهو عليّ فيما ترسلون ، وبطبيعة الحال أرسلوه وبأمر الملك وتأكيده.
وقد تلمح (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) انه ذكر الصديق بفضله وعلمه بتأويل الرؤيا عند ربه ، وانه الذي اوّل رؤياهما فكان كما كان ، إذا فمن ذا الذي يجرأ عند الملك ان يعارك الساقي: ما أنت والإنباء بما جهلنا ، او ما ليس له تأويل؟ (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ ... فَأَرْسِلُونِ) فأرسلوه الى الصديق فأخذ يتلطف