رجال الحاشية في إخفاء ما يسوءه وإظهار ما يسره واختلاق الجو المساعد لهواه.
و (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) يعبّر عن تهديده لهم ليفكروا جيدا حتى يعبروا ، ولكنهم رغم اضطراب الملك وتهديده :
(قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ)(٤٤) وهذه أحسن عبارة وأبلغ استعارة عما يعنون في حيدهم وميدهم ، فالأضغاث هي الخلائط من الحشيش المضموم بعضها إلى بعض ، كالحزمة وما يجري مجراها ، يشبّه هنا اختلاط الأحلام ، وما يمر به الإنسان من مكروه ومحبوب والمساءة والسرور ، باختلاط الحشيش المجموع من أخياف عدة وأصناف متعددة.
فأضغاث من أحلام ، يخلط بعضها ببعض ، دون رباط ظاهر ، ليس لها تأويل ، وكما الأحلام ليس لها تأويل ، (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ) لأنها أحلام تستجرّ من اليقظة إلى المنام ، فليست ـ إذا ـ لتكشف عن حقيقة وراءها سوى نفسها ، أم وحتى إذا كانت لها حقائق ف (ما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ) فضلا عن أضغاثها وهي ظلمات بعضها فوق بعض!
وتراهم كيف يتجرءون على التعبير عن رؤيا الملك ب (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) وفيه حطّ من ساحته ومسّ من كرامته؟ علّه للحفاظ على اطمئنان خاطره ألّا يشوّش بما يرى ، وإعذارهم أنفسهم ألّا يتساءلهم كيف لا تعبرون ما أرى (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) وقضية الحفاظ على الأمرين هي إبعاد الرؤيا عن كونها ذات حقيقة ، فسواء أكانوا يعلمون تأويلها أم يجهلون فصيانة الموقف تقتضي ما قضوه.
واللوحة الظاهرة من هذه المنامة في نظرة سطحية هي استيلاء الضعيف على القوي ، وذلك يهدد السلطة الفرعونية بالزوال ، ولو كانوا يعلمون ما أوّله