عليه وآله وسلم) وهو أحرى من يوسف ، وتراه إذا كان على علم من علم يوسف تأويل هذه الرؤيا كسائر الرّئى فلما ذا (لَعَلِّي أَرْجِعُ ... لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ)؟ علّه لأنه ليس على علم برجوعه ، فقد يموت في الطريق او تقتله الحاشية قبل وصوله ، وحتى إذا وصل فعلّهم لا يقبلون تأويله ، او برائته ، ولا سيّما خيانة امراة العزيز ونفس الحاشية.
ولأن المرجو هنا عظيم عظيم فقد يقاوم ما علّه ينقم منه : لماذا حرّج موقف الحاشية ، لا سيما وأن الملك بجنبه ولو لم يأت بشيء إذ تكفيه محاولة لتأويل رؤياه!
وهنا نراه بعد ما يسمع الرؤيا يفتي للساقي ودون تمهل ولا شكاة ولا تطلّب نجاة بتوسل ثان :
(قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ)(٤٨).
أتراه أفتى ـ فقط ـ تأويلا لرؤيا الملك؟ كلّا! حيث حكم على ضوء تأويله بما حكم ، صادرا عن مصدر القيادة العليا وهو في السجن بتهمة الخيانة ، وهذه هي الفتوى الكاملة ، وقد كان المستفتي ليكتفي بالبند الاوّل فإنه ـ فقط ـ تأويل رؤيا ، ولكنه يزيده حكما صالحا لفتواه ، ليأخذ بذلك أزمة قلوب الملك والحاشية (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ).
ولأنها رؤيا الملك يأخذ «سبع بقرات سمان وسبع سنبلات خضر» مثالا عن الحالة الاقتصادية الخصبة في جميع أنحاء المملكة ، حيث البقرة تمثل وافر النعمة ، وهي في رؤيا من يملك أمر الرعية ، النعمة العامة الشاملة ، ثم «سبع عجاف وسبعا أخر سنبلات يابسات» مثالا عن الحالة الشديدة الضيقة بعد الأولى.