و «دأبا» هو استمرار في الحركة الزراعية وتعب إذ يعنيهما لغويا فهما معنيّان هنا معا ، وإلا لجيء بلفظه الخاص ـ استمرارا او تعبا ـ وقد يؤيد جمعهما فتح عين الفعل اللامح للجريان والدوران : تزرعون سبع سنين متتالية سنة وسنوات ، مما تنتج أخصب الزرع وأكثره عدّة وعدّة.
وهذه الفتوى الأولى بحكمه ، فان «تزرعون» خبر يعني الأمر ومن ثم فتوى الحكم (.. فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ)(٤٧) فالكثير الذي لا يؤكل ، بل يسرف او يبذر أم يباع ، ذلك الكثير (فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) حفظا عن السوس والمؤثرات الجوية أمّا هيه ، ذخرا للسبع الشداد ، و «تأكلون» هنا ، ك «تزرعون» أمر بصيغة الإخبار ، مما يحتّمه أكثر من صيغته ، فعليكم في السبع الأولى الزراعة دأبا في مواصلة وتعب ، وعليكم ألا تأكلوا مما حصدتم إلّا قليلا فيه بلغة الحياة ..
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ)(٤٨).
وإنها سبع لا زرع فيها والأكل نفس الأكل ، وهن (يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً) زائدا عن الضرورة وهو (مِمَّا تُحْصِنُونَ) عن الإسراف والتبذّر ، عن الالتهام والتبعثر.
إلى هنا يتم تأويل الرؤيا سبعا بسبع ، ثم يزيد الصديق مما علمه ربه وأنبأه ما ليس في الرؤيا :
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)(٤٩).
ولكيلا تبقى لهم أية باقية من زمجرة السبع الشداد يخبرهم الصديق بذلك العام المغيث ، بغيث السماء وغيث الأرض ومنه كلاءها ، ولو كان ـ فقط ـ المطر لجيء بلفظه ، والغيث المطر ليس غيثا إلّا لأنه يغيث وينجي