وهكذا ينتهي دور السجن لمن كرّمه الله واصطفاه ، بريئا عن تهمة الخيانة ، جريئا على الخونة ، مما يدفع الملك أن يطلبه إليه مرة ثانية :
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ)(٥٤).
وهكذا يتجلى الإنسان في أكمله وأنقصه في قصص القرآن التي لا تقص لمجرد قصّ التاريخ وأداء الفن القصصي ، بل (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) فانما تساق لتعالج قصة العقيدة والداعية عبرة وعظة ، في واقعة تتناسق فيها جميع المؤثرات والمؤشرات والواقعيات في نفوس بني الإنسان.
هنا يصدر الأمر الملكي مرة ثانية (ائْتُونِي بِهِ) ولكنه في هذه المرة يستخلصه لنفسه حيث يرى إخلاصه في علمه ودرايته وأمانته : (أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) فلو استجابه في الأولى لم يستخلصه إذ لم يعرفه بذلك الإخلاص والأمانة والرزانة ، واستخلاص الملك هو الصدارة الثانية بعده كرئاسة الوزراء امّا ذا من القمة الثانية.
إنه في هذه المرة خلاف الأولى لا يطلبه ليرى مأول الرؤيا ، أو ليسمعه كلمة الرضا لصاحب السموّ الملكي ، وليعفو عنه ويطلق سراحه ، وإنما ليستخلصه لنفسه معتذرا إليه عما كان عليه ، ومفوضا إليه ما سيكون.
.. هنا الملك يطلب إلى من لا يتهافت على خروجه من السجن ، ولا يتفاوت عنده السجن وخارج السجن ، إلّا أن يخرج قبل خروجه عن تهمة الخيانة ، وإلّا فالسجن أحب اليه من عفوه دون براءة ، كما كان أحب إليه مما يدعونه إليه.
يطلب الانسراح عن السجن ممن أخذ يفتي برؤياه لصالح المملكة ،