ويحكم كقائد اوّل لإصلاح الحالة الاقتصادية عند توترها وتبعثرها وتعثّرها ، وهكذا يكون رجالات الحق والصدق والدعاة الى الله ، لا يخضعون للأمر الواقع المفروض عليهم أيا كان ، فلا يذلون عن عزهم ، ولا يترذلون أمام السلطات الباطلة المفروضة عليهم ، ولا يحيدون عن موقفهم الرسالي ، ولا يفرق لديهم السجن وخارجه ، ولكي يبرزوا الحق كما يليق به ويحق ، دون مسّ من كرامته وكراماتهم ، ودون نكص على عقبيهم انتقاصا لحق الدعوة والداعية.
فيا ليت رجالا ـ ولا رجال ـ يمرغون كل كرامة على أقدام الطغاة ـ بمطلق سراحهم ـ متسابقين متهافتين على نظرة رضى وكلمة ثناء ، ليتهم يعتبرون بأحسن القصص ، وليعلموا أن العزة والإباء يدرّ عليهم أضعافا من إدرار التمرغ والتزلّف والانحناء أمام ذوي السلطة والكبرياء (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ... وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ)(٥٧).
(.. فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) خلاف ما قبل اليوم لمّا طلب إليه للمرة الأولى (ائْتُونِي بِهِ)! لست أنت اليوم الفتى العبراني المشرى بثمن بخس دراهم معدودة ، لعبة العزيز وامرأته ، وإنما أنت (الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ) ذو مكانة عالية مرموقة ، ولا أنت المهدّد بالسجن أو عذاب اليم ، وإنما أنت «لدينا اليوم أمين» ، وتراه في ملتقاه مع الملك أخذ يتملق له بقولة او فعلة كما يفعله رجال الحاشية؟ كلا ولا في شطر كلمة ، فالنص (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) فالملك هو البادئ بالكلام دونه ، اللهم إلا بسلام والسلام ، وفي ذلك الكلام الملكي الهام : (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) نرى كل مراتب العزة والإكرام ، دون ألفاظ مرسومة خاوية في المواجهات العادية ، وإنما كلام مكين أمين ، حيث الملك ليس ليهاب أحدا او يماريه حتى يجاريه في كلمة خاوية المرام.