هنا مثلث التأكيد للمكانة والأمانة ، المستفاد من حرف التأكيد وتقدم الظرفين ، يؤكد له المكانة والأمانة الخاصة المتميزة ، والسلطة الصالحة لإدارة أمور المملكة بحاجة جذرية ماسة إلى تلك المكانة والأمانة ، ولا سيما في تلك الظروف الحرجة الهرجة ، وفي الحق يلمح من كلامه هذا حكم صدارته العليا بعده ،
(قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)(٥٥).
(إِنِّي حَفِيظٌ) لشتات الأمور ومتفرقاتها لأجمع شملها ، ولمجموعاتها عن تمزقها وشتاتها ، حفيظ للمعادلة الاقتصادية في السبعين الرخوة والشداد ، حفيظ في كلما تحتاجه خزائن الأرض من صالح الإنماء والمصرف ، فالحفيظ على الحرمات والنواميس في تلك الظروف المحرجة ، هو بأحرى حفيظ على المصالح الاقتصادية!
(إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) فمن حفيظ غير عليم ، يحاول في الحفظ ولكنه لا يعلم ، فقد يكون ما يفسده على جهله أكثر مما يصلحه كصدقة ، ومن عليم غير حفيظ ، يعلم ويخالف علمه إلى جهالة ، أم لا يحافظ على المصلحة الجماعية ، إذ لا يلاحظ إلّا شخصه وشخصيته وصالحه ، ولكني (حَفِيظٌ عَلِيمٌ) كركنين أساسيين لمن يجعل على خزائن الأرض.
وتراه لماذا يتطلب إلى الملك ذلك المنصب دون أن يصبر حتى ينصبه هو كما يراه؟ علّه ما كان ليعلم أية مصلحة في الملك هي أصلح ليجعله عليها؟ فهو ـ بعد ما يتأكد أنه لديه مكين أمين ، وبطبيعة الحال يحتاجه لأمر ما لمصلحة البلد ـ فهو يدله على ما هو الأصلح في تلك الظروف الصعبة الملتوية ، كمواصلة صالحة لما يريده منه الملك ، حيث الأزمة القادمة وسنو الرخاء التي تسبقها ، هي بأمسّ الحاجة إلى الحفظ والصيانة على علم واسع ودراية ، لذلك يختار ذلك المنصب المناسب الضروري لحفظ البلد عن