التفكك ، الذي لا بديل عنه ، كما هو (عليه السلام) لذلك المنصب ، فلا يطلب إلى الملك وزارة البلاط الملكي ، ولا أية وزارة إلّا وزارة الإقتصاد والتنمية والإصلاح الزراعية ، التي كانت تحلّق حينذاك على كافة الوزارات ، وفي الحق هي رئاسة الوزارات كلها حسب الظروف الراهنة!
فبالرغم من أنّ تصدي أمر الإقتصاد في ذلك الظرف الحرج تورّط في مختلف الصعوبات ، يختاره الصديق لنفسه ، وهناك أمور أريح ، ولصالحه الشخصي أصلح ، لأنه حسب واجبه الرسالي كان حصينا في اختيار اللحظة المرهقة ذات التبعة الضخمة ، فيكون مسئولا عن إطعام شعب بكامله والشعوب المجاورة ، ليؤدي واجبه الرسالي عدلا ناصعا ناصحا للجماهير ، وعلّه على ضوئه يجلب أنظار المحاويج إلى شرعة الله.
فليس من السهل تكلّف ذلك العبء الثقيل ، ولأقل تقدير في أربعة عشر سنة التي قد تكلّف في مصطرع المراجعات والمنازعات رأس الرئيس وحياته ومصرعه ، المنصب الذي يحيد عن تقبله سائر الحاشية الملكية ، حيث ترجّح الأريحية وحياة الترف والرعونة.
أفبعد ذلك كله يخلج ببال ، أن كيف يزكي الصدّيق نفسه والله تعالى يقول : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) يزكي قائلا : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)؟ أم كيف يطلب إلى فرعون المشرك الظالم أن يجعله على خزائن الأرض؟ ومعونة الظالمين حتى في عدلهم هي من المحرمات القطعية؟!.
إن أمر الصديق هنا أبعد أعماقا وأوسع آفاقا من هذه الضوابط الناظرة إلى الناس العاديين ، فإنه يرتكن على ركن الرسالة والدعوة إلى الله ، ولا بد للرسول ان يزكي نفسه بما زكّاه الله تعالى لتحل رسالته محلها من القلوب ، وإنما التزكية المحرمة هي للنفوس غير المزكّاة ، أو التي تأخذها بتزكيتها رعونات وطنطنات ، دون النفوس المطمئنة بالله التي زكاها الله بما