إن الفقه الاسلامي لم ينشأ لينشئ أمة في فراغ ، ويعيش ويعيّش في فراغ ، لا تتمثل فيه عناصر المواقف الخاصة بأجوائها ، والبيآت والملابسات التي ينشأ فيها ، منعزلا عن السياسات والملابسات والأحكام الزمنية ، مدروسا في فراغ مثالي لا يمثل في المجتمع حتى نفسه.
لقد جاء الإسلام بشرعة كاملة الجهات ليحكم بها العرض الجغرافي في الطول التاريخي ، أفبإلامكان تطبيق هذه الشريعة بلا قيادات زمنية تتجمع فيها كافة الصلاحيات للحكم على الشعوب؟!
وكذلك كل شرعة إلهية في كافة الرسالات ، فلم يكن ليوسف الصديق ـ بعد تمشيه في هذه الطريق الملتوية الشاقة الطويلة ـ لم يكن له أن يبقى مكتوف اليدين عن أية عملية إصلاحية ، والجو الملكي يستقبله ويستدعيه : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) وحين يصل أمره إلى ذلك المكانة والتمكين ، عليه كواجب رسالي أن يرشد الملك إلى الأصلح للشعب من المناصب المطروحة لديه ويقول : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)! (١).
ولئن سئلنا كيف بالإمكان تطبيق النظام الإلهي في التراكيب العضوية الجاهلية واللّادينية ، فلا تحرك الشرعة الإلهية في ذلك التركيب العضوي العارم إلّا ضدها ، كما ولا تتحرك في فراغ ، فلنصبر لإصلاح التركيب
__________________
(١) نور الثقلين في تفسير العياشي وقال سليمان قال سفيان قلت لابي عبد الله (عليه السلام) ما يجوز ان يزكي الرجل نفسه؟ قال : نعم إذا اضطر اليه ا ما سمعت قول يوسف (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) وقول العبد الصالح : (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ).