نرى في طول الخط تتحول أسباب ذله إلى عزه برحمة خفية إلهية تجلت آخر أمره ،! فقد حسده إخوته فجعلوه في غيابت الجب ليغيب عن ذلك الإكرام والحب ، فأخذته السيارة ليشروه للعزيز ، فأكرم الله مثواه في بيت العزيز ، وكادت به النسوة وامراة العزيز لإدخاله في صغار الفجور أو (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) فأصبح عزيزا في السجن ، يؤوّل الرويّ ، وقد جعله الله ذريعة لتخلّصه عن التهمة وخلاصه عن السجن ، لحدّ يثني الملك تطلبّه إليه ويستخلصه لنفسه ، ويجعله على خزائن الأرض ، فيتوارى في ظل عزته العزيز الذي أذله ، وكل عزيز.
لقد مكن الله ليوسف أوّل مرة حين دخل بيت العزيز حيث قال لامرأته (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣١) (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٢٢). وكأنه آنذاك ـ فقط ـ تمكين الخلاص عن غيابت الجب إلى أرض البلاط ، والتمكين العلمي والرسالي ولمّا يحن حين تمكين لسلطته الزمنية تطبيقا عزيزا لرسالته.
ولكنما الآن يمكّنه بعد ذلك التمكين في الأرض ، أرض المملكة وحواليها ، لحد يتبوأ منها حيث يشاء ، دون مشية فوقية تحده فيما يشاء ، إذ أصبح مطلق الإختيار في كل أرض المملكة ، كأن له السلطة العليا ، ولم يكن الملك لو كان له كون ـ إذ ذاك ـ أو كيان ، إلّا صورة فاضية وسلطة خاوية ليست له إرادة دون إرادته ولا مشيئة فوق مشيئته!.
لقد تعاضدت أعضاد الدولة والملة بأسباب قاطعة وتظاهرت وتواترت لخفضه فلم يزدادوه إلّا عزا ، ولم يكن إلا ما أراده الله (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).