واسعة له من غلمانه ، ومهابة مهيبة لسلطانه ، وحتى لو عرفوه ف (هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) أن يعرفهم وهم ظالموه وهو في سطوته وجبروته! وقد أخبره الله تعالى بذلك من ذي قبل وهو في غيابت الجب كأوّل ما أوحى إليه (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) وذلك إنباءهم بما فعلوا بيوسف وهم لا يشعرون (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) (٨٩)؟ فأنّى لهم معرفته من قبل إذ واجهوه لاوّل مرة ولمّا يعرفوه بزمن بعدها؟!
في ذلك المشهد الرائع ليس يوسف ليكشف عن نفسه ولا يلمح لهم بحاله إذ لا بد لهم منذ لقاءه من دروس يدرسونها ، وبليات يبتلون بها بما قدمت لهم أنفسهم (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ).
(وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ)(٥٩).
(جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) الذي كانوا يطلبون وفق بضاعتهم ، وطبعا طلب إليهم تعريفهم بأنفسهم وأهليهم حتى يفصح بقوله : (ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) فإن في إفصاحه دونما استفساره تلميحا لهم فاستلهام منهم أنه من هو؟ وعليه في ذلك المسرح التخفي عن كل ملمح ليكيد كيده ، فقد أنزلهم لمّا جاءوه خير إنزال ، وتركهم يأنسون إليه بكامل الأنس ، واستدرجهم حتى عرّفوه بأنفسهم لحد عرف أن لهم أخا من أبيهم لم يأتوا به ، فلما جهزهم بحاجيات الرحلة بإيفاء كيل وخير إنزال (قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) ولمّا تلمّح منهم أن أباهم ضنين (١) عليهم بأخيهم ، ظنين ،
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٤٣٨ في تفسير العياشي عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يحدث قال : لما فقد يعقوب يوسف (عليه السلام) اشتد حزنه عليه وبكائه حتى ابيضت عيناه من الحزن واحتاج حاجة شديدة وتغيرت حاله وكان يمتاز القمح من مصر في السنة مرتين في الشتاء والصيف وانه بعث عدة من ولده ببضاعة ـ