وها نحن ممن نشهدهم أولاء (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ) ويا لروعة المشهد حينذاك بعد هذا الفصل الطويل؟ أتظن أنه لا يعرفهم كما لا يعرفونه؟ كلا! (فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ).
تراه كيف عرفهم والفصل طائل ، وسعار الملك حائل؟ إنه «عرفهم» كما هي طبيعة الحال في كل مظلوم يعرف ظالمه مهما طال الزمن وتطاولت المحن ، فضلا عن يوسف النبي حيث يعرف الأغارب بسيماهم فضلا عن الأقارب ، ومن ثم فهذه معرفة قاصدة إلى تعرّف أبويه بمكيدة إلهية ، ان يوسف قد اجتباه الله كما في تأويل رؤياه ، ينبه بذلك أباه ، ثم ولم يكن من هؤلاء الملوك الذين يزدهون بزهوة الملك ، فيحول بينه وبين إخوته سعاره وكباره!
(وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) كما أنكروه حين جعلوه في غيابت الجب ، وهم الآن لا يخلد بخلدهم أنه حيّ ، وحتى في حياته فأين غلام عبراني يشرى بثمن بخس دراهم معدودة وذلك الملك العظيم في هيله وهيلمانه وحيطة
__________________
ـ وانزل كل واحد منهم عدله وفتحه فأخذ يفتشها وابتدأ من الكبير حتى انتهى الى الصغير واخرج الطاس من عدله.
فلما رأى ذلك اخوته مزقوا ثيابهم ورجعوا الى المدينة ودخلوا على يوسف واعدوا عليه قولهم معتذرين معترفين بالذنب وعليهم سيماء الصغار والهوان والخجل فقال : حاشا ان نأخذ الا من من وجدنا متاعنا عنده واما أنتم فارجعوا بسلام الى أبيكم فتقدم اليه يهوذا وتضرع اليه واسترحمه وذكر له قصتهم مع أبيهم حين أمرهم يوسف بإحضار بنيامين فسألوا أباهم ذلك فأبى أشد الاباء حتى أتاه يهوذا الميثاق على ان يرد بنيامين اليه وذكر انهم يستطيعون أن يلاقوا أباهم وليس معهم بنيامين وان أباهم الشيخ لو سمع منهم ذلك لمات من وقته ثم سأله ان يأخذه مكان بنيامين عبدا لنفسه ويطلق بنيامين لتقر بذلك عين أبيهم المستأنس به بعد فقد أخيه من امه يوسف ...