هناك تراوده امرأة العزيز عن نفسه ، وهنا إخوته يراودون عن أخيه أباه ، وأنى مراودة من مراودة؟ ومراودتهم هذه في مختلف احتيالاتهم لاستلاب بن يامين كوعد قاطع منهم ليوسف لا مرد له (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) المراودة المثمرة والإتيان به في المرة الآتية. و «أباه» هنا دون «أبانا» تلمح أنهم عرفوه بأبيهم وأخ لهم من أبيهم هو أحب إلى أبيه منهم ، ولذلك لم يصاحبهم في رحلتهم هذه ، مما يؤيد أنه سألهم عن حالهم وبالهم ، حاضرهم وغائبهم ، وهو طبيعة الحال في مثل ذلك اللقاء المقصود.
وليؤكد الصديق واقع مطلوبه منهم ، ويشجع أباه على إزالة العقبات دون السماح لمجيئه يرجع بضاعتهم بصورة خفية إليهم :
(وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(٦٢).
من هنا يبدأ كيد الله ليأخذ الصديق أخاه وليبلغ مناه (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ..)(٧٦)! فلا تثريب على يوسف أو تعييب لماذا كادهم ذلك الطائل الغائل ، حيث كان بمرضات الله وإرادته شرعة وتكوينا.
«وقال» يوسف «لفتيانه» عبيده وغلمانه (اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ) التي سلموها لجهازهم (فِي رِحالِهِمْ) وطبعا بصورة خفية وغير مرئية (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ) فإنها التي أدوها ، فبطبيعة الحال يعرفونها ، على احتمال بعيد ألّا يعرفوها أنها هيه ، ولذلك نترجى قريبا (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها ..) فإذا عرفوها تشوّقا لرجوعهم مع أخيهم من أبيهم بداعية ثالثة إضافة إلى ذلك الترغيب والترهيب سلفا (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
و «لعل» الثانية في ترجيّها ، علّها ترمي هدفين ، أولهما تعلقها ب (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها) حيث الترجي لا يخلّف إلّا ترجيا مثله ، وثانيهما تعلقها