(قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(٦٤).
خلوني خلوني من وعودكم الفارغة وكلماتكم البارقة ، والعاقل لا يلدغ من حجر مرتين ، وقد لدغت لأوّل مرة والجرح لمّا يندمل ، فقد أمنتكم على أخيه من قبل حين صدقتكم ، فكيف آمنكم عليه الآن ، ثم وليس وعد الحفظ منكم بالذي يؤمنني ولو كنتم صادقين ، إذ قد تنجرفون بعد صدق أو يحاط بكم على صدق (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) من سواه (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) سواه ، فقد لا ترحمونه وهو الراحم ، أم ترحمون ويحاط بكم (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ).
إنه (خَيْرٌ حافِظاً) له ولأخيه (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) به وبأخيه ، فكيف تقولون في بتّ وقاطعية (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)؟
وقد يشير بحفظ الله ورحمته بعد التنديد بهم في وعدهم لبعديه (١) أنه لو أرسله معهم فليس إلّا امتحانا وايمانا بحفظ الله ، دون وعدكم البارق الفارغ.
(وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ)(٦٥).
هنا يبتغون بضاعتهم المردودة إليهم لحجة على ما يدعون ويعدون : (قالُوا يا أَبانا) نحن وأخينا «ما نبغي» بعد من العزيز وقد أوفى لنا كيلنا دون بضاعة حيث ردها خفية ، وأنزلنا عنده خير إنزال ، ووعدنا مزيدا ، ف «هذه» التي تراها وتعرف هي (بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) ثم من بعد ذلك إذا أرسلت معنا أخانا (نَمِيرُ أَهْلَنا) ميرة الزاد فلا يظلون جياعا (وَنَحْفَظُ أَخانا) هنا من الجوع وهناك من أية حادثة ، كيف لا وهو عزيز على العزيز ، فحتى
__________________
(١) الأول هل آمنكم والثاني لستم أنتم بحافظين إذ قد يحاط بكم.