ف «لن» تحيل إرساله معهم على أية حال ، فليس نبي الله يعقوب بالذي يجعل ابنه متاعا لميرة حتى عند الضرورة ، فضلا عن هدره نفسا ، علما أو ظنا ، ولكنه يرسله على شرط يصرح به (حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) دون أية إشارة إلى ميرة الأهل وازدياد كيل بعير ببضاعة أو دونها.
أتراه كيف يرسله معهم بموثقهم ولا ميثاق لهم كما تبين له من قبل؟ علّه لما كان يعلمه بتأويل رؤياه : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) أن يوسف موجود الآن بعزة ، أو أنه هو العزيز ، فبارقة الرؤيا ببارقة النبوة خارقة تخرق حجب الغيب عن يوسف وبعد زهاء العشرين.
ثم «الله (خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ـ (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) سياجان على ما قد يحاط به أو بهم ، وهذه الثلاث يصاحبها في هذه السفرة طلب الميرة الضرورية ، مما يرجح له أن يرسله معهم.
وترى ما هو (مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) حيث يعتبره أصلا يحوّل مستحيله : «لن» إلى ممكنه الراجح حيث أرسله؟ ثم (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) دليل أن موثقهم قول يوثق به ، ولا يوثق بقول ما لم يرتبط بالله من حلف بالله أو عهد مع الله ، ولذلك فالوكيل أيضا هو الله ، وثقة يعقوب بموثقهم وقد نقضوه من قبل علهّا لأنهم تحولوا عن حالتهم الأولى إلى الحسنى ، ثم ولم يكن منهم فيها موثق إلّا (إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) كمعاهدة معه لا مع الله.
وعلى أية حال أصبح واثقا بموثقهم بسائر الوثائق التي تحوطه لحدّ يرسله معهم غير مجازف ولا هارف أو خارف ، وإنما إرسال نبي على بصيرة مما يجوز عما لا يجوز.
ولماذا (اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) دون «شهيد»؟ علّه لأنه يعني رباط موثقهم بالله في تحقيقه ، كما نيط بالله في عقده (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).