فإرساله ـ إذا ـ كان على ضوء شرعة الله ، والتكلان فيه على الله ، فمهما لا يأمنهم يعقوب على ابنه فهو مؤمن بالله متكل على الله فيما يقدم عليه ، وقد سمح له في شرعة الله ، فليس الاتكال على الله مما تتعامى معه الأسباب وتبطل ولا التوسل بالأسباب مما يغني عن الله ، فإنه على كل شيء وكيل ، وهو القائل (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) بجنب القول (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
لذلك نرى نبي الله يعقوب يأخذ في إرساله ابنه بكلّ حائطة ، دون اتكالية فيها إبطال الأسباب والتغاضي عنها ، ودون تحتيم عليهم أن يأتوه به باستقلال الأسباب ، فمحاولة منهم كما يقدرون (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) فلا تستطيعون حيطة بكم فلا ترجعون ، أم لا يرجع أخوكم ، فإنما المحظور التقصير في واجب الإتيان به لا القصور.
(وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)(٦٧).
وترى ما هو باب واحد وأبواب متفرقة؟ هل هي أبواب القصر؟ فما هو الفارق بين دخولهم من أبواب متفرقة أم باب واحد كما دخلوا من ذي قبل ، أمّا هيه من أبواب؟
قد تعني أبواب القصر المتفرقة خوفة من عين او حسد ، ان يحاط بهم جميعا أو الثلاثة كلها فإنها كلها مخيفة ، إلا أن (ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) لا تلائم الأولين ، إذ لم يحسدوا ولا اخذتهم عين ، بل أحيط بهم في أخيهم.
(وَما أُغْنِي عَنْكُمْ) دليل على خيفة ما عليهم لا مردّ لها ، و «ان الحكم ـ المتوكلون» تبصرة لهم منه أن هذه الحائطة ليست لتغني عنكم من الله من شيء ، ولكن التوسل بالأسباب لزام كل سلب وإيجاب ، على علم أنه (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) لا للأسباب ، لذلك «وعليه» لا