تنفيذا لتدبير إلهي يخصه في ذلك المشهد المثير المغير ، ولكن ما هو مصير (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ)؟ ولم يكونوا سارقين ولا واحد منهم في رحله صواع الملك! والمكيدة الإلهية بعيدة عن الضعف والكذب والظلم ، قاصدة جزاء العدل الوفاق للظلم ، كيد عادل قاصد هو جزاء كيد ظالم فاسد كاسد ، فما ذا يعني ـ إذن ـ ذلك الأذان المعلن أمام الجماهير ، متهما ولد نبي الله يعقوب (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ)؟ فيرتاع إخوته لذلك النداء وهم أولاد النبي وأحفاد شيخ المرسلين!
أكان وجود الصواع في رحل أخيه ـ دون سرقة منه ـ يسمح لاتهامهم كلهم (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ)؟ وحتى لو كان سارقا في الحق فنسبتها إلى العير ـ وهم أحد عشر ـ تهمة جمعية ومسّ من كرامة البرءاء العشرة ، وحق القول في مثله «واحد منكم سارق» حيث لا يسرق صواعا واحدا إلّا واحد ، ف (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) إذا فرية قاطعة حتى لو كانت هناك سرقة ، ولكنه كذب وفرية إذ لم تكن سرقة بتة ، وكما لم تكن البتة!
إنهم في هذا المسرح ما سرقوا شيئا ، وما كذب الصديق ، حيث الحيلة كانت بأمر الله ، وهو نبي الله فكيف يكذب ، وإنما ورّى تورية صادقة حيث عنى من (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) أن سرقوا يوسف من قبل! وكما يروى تصديق الصديق عن الصادق : «ما سرقوا وما كذب يوسف فإنما عنى سرقتم يوسف من أبيه» (١) «ألا ترى انه قال لهم حين قالوا (ما ذا تَفْقِدُونَ) (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) ولم يقولوا «سرقتم صواع الملك» إنما عنى انكم سرقتم يوسف من أبيه» وهم لا يشعرون!
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٤٤٢ ـ القمي في حديث سئل الصادق (عليه السلام) عن قوله عز وجل (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) قال : ما سرقوا وما كذب يوسف فانما عنى سرقتم يوسف من أبيه وفيه ٤٤٤ ح ١٢٩ في اصول الكافي باسناده عن عطا عن أبي عبد الله ـ