فالضرورات تقدّر بقدرها ، فلا يسمح للكذب المطلق ما دامت التورية ممكنة ، ولا ضرورة لله ولنبي الله في كذب والتورية مورّية صادقة! مهما كان «لا كذب على مصلح» (١) وليست الغاية التي يبتغيها الصديق درسا لإخوته بالتي تبرر هذه الوسيلة الهائلة ، فإنها على أية حال مكيدة إلهية وليس الله ليضطر في كيده الى ما حرّمه من كذب وتهمة!
وثانيهما أن استلاب نفس محترمة هو من السرقة ، وكيف لا تكون سرقة واستلاب شطر من دينار سرقة مهما اختلف الحكم بين سرقة وسرقة ، وهم قد استلبوا يوسف من أبيه إخراجا عن ملكته وملكة أبيه ، بمكيدة خائنة ، وهم مجمعون ان يجعلوه في غيابت الجب ، أوليست هذه سرقة ، وهي أسرق سرقة تضم معها كذبة حين استلبوه ، وحين رجعوا إلى أبيهم وقد تركوه فيما تركوه ، وألقوه في غيابت الجب إساءة إليه وعلّ فيها هتف نفسه ، وهذه ثالوث منحوس تحيط بأصل السرقة ، أليسوا يستحقون بعد هذه الأربع أن ينسبوا إلى واحدة منها (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) ومهما كان بن يامين بريئا وقد شملته العير ، فالعشرة الآخرون كانوا سراقا وخونة ، وقد أسرّ يوسف إلى أخيه هذه المكيدة ، ليستثني عن العير السارقين ، فكان يرضى ذلك التعميم أو يؤكده وصولا إلى (حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) فهل إن ذلك التعميم مس من كرامته ، ام خارج عن أدب التعبير في أحد عشر رجلا واحد منهم بريء والباقون خونة سارقون؟ ..
وقد نحتمل أن يوسف عرّف رجال الحاشية بموقف المكيدة ، فلم يكن
__________________
ـ كذب وما سرقوا والجمع ان التورية صدق من جهة تخفى وكذب حسب الظاهر ، ولا يجوز الكذب المطلق ما دامت التورية في موارد الإصلاح.
(١) مضت روايته عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).