في ذلك الشمول مهانة لأخيه في نفسه حيث عرفه! ولا في أنفس رجال الحاشية أن عرفهم ، وأما في أنفس إخوته فليس ليهمه ذلك أمام البغية المهمة ، كيف وقد علموا ـ في ظنهم ـ أنه سرق ، وشهدوا بذلك عند أبيهم (إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) ولم يكن له في هذه وتلك تغير حالة فان الضرورات تبيح المحظورات ، حتى ولو كان ذلك له مخطورا.
ذلك ولكن (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) دليل أنه ما عرفهم ولا حتى المؤذن مكيدته ، إذ لو عرفهم كان يعرفه الملك ، وكيف يأخذ أخاه بمكيدة يعرفها الملك؟.
ولئن سئلنا أن الشرعة الإلهية لا تسمح الجهر بالسوء وقد جاهرهم به ، اللهم إلّا شهادة بشروطها عند الحاكم ، ولم تكن هناك من يوسف شهادة ولا حكم؟ فالجواب (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) وقد ظلم يوسف بأقبح الظلم فكيف لا يجهر بسوء ما ظلم ، وهو كاتم ظلمه طيلة سنين حتى أتى دوره الصالح لمكيدة بأمر الله ، فقد صدق فيما جاهر وترك كثيرا حين قال مؤذنه : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ).
(قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ)(٧٢).
(وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ) تلمح أن المؤذن أذن وهم يرجعون ، ثم أقبلوا عليهم ، و (ما ذا تَفْقِدُونَ) إشارة منهم أننا لسنا بسارقين ، فلعله فقد عنكم صواع الملك ، والمحتملات فيه ثلاث ثالثها أنه عند أحدنا ، وقبل ذلك قد يكون تحت طعام أمّاذا ، أو عند أحدكم أمن ذا ، فلا تحتّموا أننا سرقناه.
ورجال الحاشية بمن فيهم المؤذن ، هنا لا يكررون القولة الأولى بصيغة أخرى «سرق منا صواع الملك» وإنما «نفقد» مما يؤيد أن الأولى تورية لا