يتجاهلون ، وهنا أخذوا يلتجئون إليه ويسترحمون :
(قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) (٧٩).
ونرى الصديق هنا لا يلفظ بشطر كلمة تمس من كرامة أخيه حتى في تورية إذ يقول (مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) دون «من سرق متاعنا» ثم «متاعنا» دون (صُواعَ الْمَلِكِ) تحمل تلميحة مليحة ـ فيما تحمل ـ أن أخاه هو متاعه ، متعة معنوية بلقاء أخوي ممتّع! فقد وجدنا متاعنا هذا عنده ، وهو نفسه الغالية ، كما وجدنا صواع الملك عنده ، واين متاع من متاع؟
وفي التعبير عن يوسف ب «العزيز» دليل على انه أصبح مكان العزيز بعزله ، او موته ، وأنه غير الملك لاختلاف التعبير مهما ملّك ما كان يملكه الملك حيث طوي عن ذكره كأصل واندرج درج الرياح.
و (إِنَّ لَهُ أَباً) استعطاف له خاص أن له مكانة عند الأب ليست لنا ، فكأنه هو ـ فقط ـ ابنه ، (فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ) كيلا يأسى بفقده أبوه الشيخ الكبير ، فأجاب عن اقتراحهم (مَعاذَ اللهِ ... إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) أن نأخذ بديله غيره ، وهو متاعنا وبغيتنا ، وهو الذي وجدنا متاعنا عنده.
أترى أن ذلك ـ في الحق ـ كان ظلما ولا سرقة في البين حتى يثبت حق أصلا او فرعا؟ إنه مجاراة لهم فيما قالوه وقرروه : (جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) تورية في مسرحه. و (إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) قد تعني تورية ، لو أنا تركنا (مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) ظلمنا أنفسنا فانه هو بغيتنا ومتاعنا في ذلك الكيد الأمين المكين ، كما وظلمنا حسب دين الملك (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) وكما في دينكم ، مثلث من الظلم مجاراة ، مهما انفلت البعض منها مواراة ، فقد صدق الصدّيق في (إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) على أية حال!