وتراهم كيف يستفدونه بأحدهم وهم من نعرفهم من شقوة ليوسف من قبل ولأبيهم؟ علّه لأن استلاب يوسف من أبيه كان عن حقد لا يعرف شفقة إلّا شقوة ، وأخذهم لأخيه لم يكن إلّا شفقة للعائلة ككلّ ، وقد آتوا أباهم موثقهم من الله ليأتنّه به ، ففدوا بأحدهم مكانه تخلصا عن ورطة مستقبلة أمام أبيهم ، وهم عارفون بعض الشيء أن العزيز ليس ليأخذ أحدهم مكانه.
ثم وما هي الرباط بين (فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ) و (إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً)؟ «له أبا» تختصه بأبيهم اكثر منهم ، كأنه فقط ابنه ، فهذه زاوية أولى لاستعطافه ، ثم (شَيْخاً كَبِيراً) هي الثانية ، حيث الشيخ المتقدم في العمر أحوج إلى ولد يؤنسه من سواه ، ويزيده انعطافا كونه شيخا كبيرا بساير معانيه ، محتدا وعلما وايمانا وعائلة وعشيرة ، فهو يستحق العطف من جهات شتى ، ومن ثم الزاوية الثالثة (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وهنا أظرف ظروف الإحسان ، ويعني الإحسان فيما يعني إحسانا يناسب تحرير رق ، ولأقل تقدير (فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ)! وقد كان ـ كما يروى ـ انه حرّر نفرا عظيما ممن شراهم الطعام بأنفسهم حين نفدت بضائعهم.
وما أجمل جواب الصديق وأحوطه إذ لم يقل «معاذ الله ان نأخذ بريئا بجريرة سارق» ، وإنما (أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) ثم يعتذر عن كل هذه الزوايا المتعطفة ب (إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) وهل يظلم المحسن؟ أم إن غاية الإحسان تبرر وسيلة الظلم؟!.
(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) (٨٠).
الاستياس هو من اليأس والإياس ، ولأنه استفعال فقد يزيد على