«ايئسوا» وعلّه تطلّب الإياس ، وما أدقه تعبيرا وألطفه على حالتهم الراجية ، المتعمقة في قلوبهم ، المستكنة في افئدتهم ، لحدّ ما كان يخلد بخلدهم يأس عن إحسان الصديق ، ولكنه قطع كل آمالهم بكلمة تهديد : (إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) حيث تهدّدهم فتحدد موقفه منهم مما آيسهم ، وكأنهم حينذاك تطلّبوا الإياس من أنفسهم رغم ما كانوا يظنون ، كما وخوفهم ، ولذلك (خَلَصُوا نَجِيًّا).
و «نجيا» تستعمل جمعا كما هنا ، ومفردا : (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) (١٩ : ٥٢) وهي واوية تعني النجوى ، ويائية تعني النجاة ، وقد تعنيهما هنا «نجيا» لمكان «خلصوا» فالثانية النجاة ، وحيث (قالَ كَبِيرُهُمْ ..) فالأولى النجوى ، ولو عنت نجيّ النجوى فالصيغة الفصحى ـ إذا ـ النجوى نفسها كما : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) (١٧ : ٤٧).
(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ) من يوسف أن يسمعهم ومن أخيه أن يرده إليهم «خلصوا» من حضرته على تخوف أن يلحقهم مزيد مما لحقهم «نجيا» نجاة من ملاحقته ، ونجوى بينهم في أمرهم كيلا يسمعهم هؤلاء فيما يتناجون ، ومن نجواهم (قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ)؟
أترى لماذا «أباكم ـ عليكم ـ فرطتم» تغاضيا عن نفسه وقد كان معهم فيما كان منهم وهو كبيرهم؟ علّه إشارة إلى أن كبيرهم هذا ما كان ليرضى عما فعلوا ، ويشهد له أنه حملهم على أن يجعلوه في غيابت الجب ، فلا يقتلوه ، ولا يطرحوه أرضا ولا يلقوه في غيابت الجب ، بل يجعلوه (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ).
فهو مهما كان يشاركهم بعض الشيء في نفي الصدّيق ، كان أخفهم اجتراما بحقه وأثقلهم احتراما له ، يحاول في تآمرهم عليه ، الحفاظ على