البث المقارن للحزن هو الحزن المبثوث حين يغلى مرجله فينبث باختيار ودون اختيار ، حيث يظهر في ملامح الوجه وفلتات اللسان ومعارض الأركان ، والحزن همّ دونه حيث يملك ستاره ، وشكوى البث والحزن هي الاختياري منهما وقد اختاره يعقوب «إلى الله» لا سواه ، لمكان «إنما» فلا يشكوهما إلى أحد حتى أهله وولده ، وهذه هي قمة الشعور بمقام الربوبية في قلب منقلب إلى الله ، موصول النياط بالله ، في لألاء باهر وجلال غامر.
فليس بعد الزمان ، واستنكار الولدان لذلك التطلّع الدائب بعد هذا الأمد البعيد ، ليسا هما وأمثالهما من مؤيسات بالتي تؤثر في أمل الرجل الصالح الواثق بربه ، فإنه يعلم من الله ما لا يعلمون هؤلاء المحجوبون.
ولذلك يدأب في شكواه بثا وحزنا إليه ، ويمضي حياته عليه ، ولحد ابيضاض عينيه من كمد البكاء دون لفظة قول ولا لحظة عين ولا أية إشارة في شكواه إلى غير الله ، وهنا نضرب بالرواية القائلة خلاف الآية عرض الحائط حين تقول : كتب يعقوب بكتاب له إلى العزيز يشكو فيه كل شكواه ، فحتى لو كان يعلم أنه يوسف ما كان له أن يشكو إليه ، ولكنه لم يعلم (١) أنه هو فكيف يشكو إلى العزيز الذي هو بطبيعة الحال مشرك ويستجدّه ويسترحمه في نفسه؟ ويطلب منه أن يتصدق عليه وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من أصبح حزينا على الدنيا أصبح ساخطا على ربه ومن أصبح يشكو مصيبة أنزلت به فإنما يشكو الله ومن
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٤٦١ ج ١٨٢ في امالي شيخ الطائفة باسناده الى أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال : فلما كان من أمر ، اخوة يوسف ما كان كتب يعقوب الى يوسف وهو لا يعلم أنه يوسف ...