وكأنّ التحسّس والتجسّس سواء في معنى التفتيش لكنما الاوّل في غير شر والثاني في الشر ، فالتفتيش عن عورات الناس وأسرارهم المخبوئة التي لا يرضون كشف الستر عنها هو التجسس ، وقد منع عنه باتا (وَلا تَجَسَّسُوا) واما التفتيش عما سواها ، ولا سيما الأشياء او الأمور التي تخصك من حقك ، فهو التحسس ، أن تبالغ في استعمال حواسك ظاهرة وباطنة لتجد ضالتك المنشودة ، وهكذا يأمر يعقوب بنيه.
«.. اذهبوا» إلى مذاهب التحسس ومظانّه (فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ) فكبيرهم لا يتحسس فإنه في نفس الأرض التي تركتموها ، وأخي يوسف الموقوف عند العزيز لا يدرى مسيره ومصيره فليسأل عنه العزيز ، ويوسف نفسه يسأل عنه العزيز وغير العزيز ، فالمذهب الأول في ذهابكم هو العزيز وكما ذهبوا إليه.
(اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا ... وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) كما يئستم لحد تنصحونني ألّا أذكر يوسف ، فروح الله غير مأيوس منه إلّا لمن يكفر بالله ، أو يستر عن معرفة الله بروحه ورحمته : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (١٥ : ٥٦).
الروح والروح هما من أصل واحد هو الحياة ، واختص الأولى بالنفس كلها ، والثانية بنفسها وراحتها ، وللرّوح كما الرّوح نسبة إلى الإنسان وأضرابه كما في الواقعة : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) (٥٦ : ٨٩) وأخرى إلى الله كما هنا (رَوْحِ اللهِ) تنفيسا منه عن كرب ، كمن يتنفس عن خنق ، فيستريح بعد عذاب ، فروح الله ـ إذا ـ هي رحمته بعد نقمته ، بتنفيسه بعد خنفه وحنقه لخلقه ، حيث الرّوح هو تنسيم الريح التي يلذ شميمها ويطيب نسيمها ، فشبّه الفرج الذي يأتي بعد الكربة ويطرق بعد اللزبة ، بنسيم الريح الذي ترتاح القلوب له وتثلج