والنزغ هو الدخول في أمر لإفساده ، فقد دخل الشيطان فيما حسدوا فدخل حتى عمّقه إذ حمّقهم (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) (٤١ : ٣٦).
(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ)(١٠٢).
وهذه شيمة الصالحين الذين لا تأخذهم العزة بالإثم ، فلا ينسون في ملكهم وعزتهم ربّهم ، ولا تأخذهم زهوة الملك وزهرته ، فكيف يفترى على الصديق أن دخله عز الملك فلم ينزل إلى أبيه؟!
وصاحب الملك المسلم ، المعترف برحمة ربه ، يطلب الزيادة في ملكه ، ولكن هذا الملك الصدّيق بعد ما يعترف بالعطية الإلهية كنعمة دنيوية : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) وبأحرى هي نعم العلم النبوة : (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) عطفا بهما إلى عطفه ولطفه لأنه (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) واعترافا بولايته المطلقة عليه : (أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) فأنت المدبر أمري فيهما ، ليس لي إلا ما دبرت وقدرت ، دون أن أملك لنفسي نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، فأنت أنت الولي لا ولي سواك ، وأنا العبد الموّلى لك لا أعبد سواك.
بعد ذلك كله لا يطلب منه إلا إسلاما في الدنيا وصلاحا في الآخرة : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) والتوفي هو الأخذ وافيا على أية حال ، في الدنيا وحين الموت وفي الآخرة حالكوني «مسلما» كما طلبه أبي إبراهيم : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) وأنا من ذريته ، وذلك الإسلام هو مرتبة بعد كمال الايمان ، دونما كان قبل الإيمان او معه ، فإنما