أفضل لقاءه ، ومن ثم لقاء الجزاء يوم الجزاء ، فذلك الرفع الرفيع ، والتسخير المنيع ، والتدبير والتفصيل لكتاب التدوين والتكوين الوسيع ، كلها توحي بعودة للخلق إلى الخالق فانه من كمال التقدير الحكيم ، ولولاها لكان تطويلا بلا طائل ، وتفصيلا دون حاصل! «فنظرت العين إلى خلق متصل بعضه ببعض ودلها القلب على أن لذلك خالقا وذلك أنه فكر حيث دلته العين على أن ما عاينت من عظم السماء وارتفاعها في الهواء بغير عمد ولا دعامة تمسكها ، وانها لا تتأخر فتنكشط ولا تتقدم فتزول ، ولا تهبط مرة فتدنو ولا ترتفع فلا ترى (١) والقادر على هذا الخلق العظيم الحكيم إبداعا أقدر على إعادته مرة أخرى (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)!.
ثم من السماء البعيدة المدى ، القريبة لهذه الذكرى ، إلى الأرض التي نعيشها ونمشي على مناكبها ، هبوطا للخط التصويري الهائل من السماء إلى الأرض ، عرضا للوحتها العريضة الأولى حين أكملها وبناها كما السماء بناها :
(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(٣).
وهنا يرسم مدّ الأرض بعد خلقها كلمسة أولى لهذه اللوحة الفسيحة لساكنيها ، ومن ثم خط الرواسي وخدود الأنهار بخطوطها ، ثم الثمرات الناتجة عن ازدواجية الخطين ، وامتزاجهما تلو بعض وزوجية الثمرات وإغشاء الليل النهار في سباقهما على مدّ الآفاق (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٤٨١ عن كتاب الاهليلجة قال الصادق (عليه السلام) ...