مُخَلَّقَةٍ) (٢٢ : ٥).
والخلق الجديد أهون من الخلق القديم : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (٣٠ : ٢٧) فكيف وهم معترفون بالخلق الأول ، عارفون أن الثاني هو أهون ، يستنكرون خلقهم الجديد وهو أحرى وأحق من الأول ، حيث الأول قضية رحمة الله الراجحة ، والثاني قضية رحمته الواجبة وعدله ، ضرورة الجزاء يوم الجزاء ، ف (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) كأن لا سواهم (وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) أغلال الحيونة والشهوة ، أغلال الجهل والجهالة ، أغلال العناد والمتاهة ، وأغلال الإخلاد إلى أرض المادة.
وليست «على أعناقهم» حتى يمكن وضعها عنها ، وإنما «في أعناقهم» فهي مغلولة في أصل ذواتها وأعماقها بما كسبت أيديهم ، وأن الله ليس بظلام للعبيد ، ولأنهم في ذواتهم نيران مسعّرة ف (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
فلو كان الخلق الجديد مستحيلا لأنه من التراب ، فأحرى بالخلق القديم إحالة! ولو كانت الاستحالة في الخلق الجديد لتمزق تراب البدن وتفرقه في سائر الأبدان أم ايّ مكان ، فكذلك النطفة الجرثومية هي مأخوذة من ذرات في سائر البدن والأبدان : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ. قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (٣٢ : ١٠).
إن اصحاب الأغلال هنا ، هم أصحاب الأغلال هناك ، والخالدون في نيران الشهوات والضلالات هنا ، هم خالدون في النار هناك ولا يظلمون نقيرا ، فإنما طبق عن طبق ، فأغلال عن أغلال ، وخلود عن خلود.