ثم (لَذُو مَغْفِرَةٍ) تعم النشأتين ، والأولى هي المعلومة المتيقنة هنا ، حيث المشرك لا يغفر في الأخرى ، فعلّه قد يغفر عن مثلات العذاب هنا لعلهم يرجعون ، ام يزيدهم عذابهم في الأخرى ، كما وأن عذابهم في الأولى لعلهم يرجعون : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٧ : ١٦٨) (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٣٠ :) ٤١) (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(٣٢ : ٢١).
إذا فليس غفر المشركين يوم الدنيا سماحا عنهم فيما يظلمون ، وإنما تأجيلا عنهم لعلهم يرجعون ، أم يزيد في عذابهم إن كانوا على الحنث العظيم يصرون : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ ..) (١٤ : ٤٢)
أجل وان باب التوبة والمغفرة مفتوحة بمصراعيها على كافة الناس في هذه النشأة على شروطها المسرودة في القرآن ، ثم من المعاصي ما تغفر دون توبة في النشأتين كصغائر السيئات لمن يجتنب كبائر ما ينهى عنه ، وصغائر الواجبات لمن يأتي بكبائر الحسنات ، ثم لا مغفرة بعد الموت لمن مات مشركا فضلا عن الملحد : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٤ : ٤٨).
و (لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) دون غافر أو غفور ، للإشارة إلى عدم فعلية الغفران لمن هو في حالة الظلم والطغيان ، ولا سيما الظلم بعباد الله حيث لا يغفر إلّا ان يغفروا هم ظالميهم ، فقد تدل «ذو» على شأنية الغفران للظالمين على ظلمهم إن تركوا ظلمهم وجبروا ظلامتهم ، فليس هو تعالى ليغضب على الظالم لحد يسد عنه باب الغفران ، ولأن الظلم يعم كل صغيرة وكبيرة فهذه الآية مما تشهد لغفران الكبائر كما الصغائر ـ وطبعا ـ