هنا يضرب الله مثلا للحق والباطل كأمثله وأشمله ، للدعوة الباقية الصالحة والزبدة الماكثة في أراضي القلوب ، والدعوة البالية الطالحة الذاهبة إدراج الرياح كالزبد الجفاء ، الذاهبة عن القلوب :
(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا (١) الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ)(١٧).
ثلاثة أمثال تضرب للحق والباطل في مثل واحد ، فكما يضمحل الزبد فيصير جفاء لا ينتفع به ولا ترجى بركته كذلك الباطل يضمحل عن أهله مهما أرعد وأبرق ، وكما يمكث الماء في الأرض فأمرعت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، كذلك الحق يبقى لأهله ، ولكنما الحق يبتلى بمزيج الباطل وعراقيله كما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع حيث يخرج زبدا مثله.
زبدان متماثلان ، زبد الماء وزبد النار ، وهما ذاهبان جفاء ثم لا يبقى إلّا ما ينفع الناس ، وهكذا يكون دوما. مصطرع الحق والباطل ، فالحق ـ بالمآل ـ يصرع ويهرع ، والباطل يهرع ويصرع ، وإن للحق دولة وللباطل جولة!
(كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) ضرب كلّ بالآخر خلطا ظاهرا في الكون وتميزا في الكيان ، وبالنتيجة ضرب الباطل بالحق : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) (٢١ : ١٨) ف (إِنَّ الْباطِلَ