الحياة الدنيا ليست إلا متاع به يبتاع الحياة الآخرة ، ولكنها (مَتاعُ الْغُرُورِ) تغر الجاهلين بها وبالحياة الأخرى ، أنها هي التي تبتاع بكل متاع (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (٣ : ١٨٥) (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) (٤٠ : ٣٩) تتمتع بها في هذه الأدنى ابتغاء رحمة من الله بمتاعها في الأخرى بما قدمت يداك منها إليها.
أترى الحياة الدنيا هي في الآخرة حتى تكون فيها متاعا؟ أجل ، فإن الأحياء بها يحشرون إلى ربهم بنفس الحياة وما كسبوا فيها من عقائد وأعمال ، فإنها لزامهم في هذه السفرة القاصدة ، فيعيشون بها عيشة كما قدموا لأنفسهم ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ف (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فإن الأعمال بأنفسها هي الجزاء حيث تظهر حقائقها : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ..).
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ)(٢٧)
من مقالات الذين كفروا إعذارا لأنفسهم في كفرهم وإنكارا لآية الرسالة الإسلامية : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) إذ لم يكونوا يحتسبون القرآن آية وهو الآية الكافية ، البالغة الذروة العالية ، فهم إنما يقترحون آية كما يشتهون دلت أم لم تدل ، ويذرون آية دالة عبر القرون كأنها ليست بآية ، (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) (٦ : ٢٥) وإنما القصد من الآية هو التدليل الصالح على صدق الرسالة ، وليست هي بخيرة الرسول : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (٦ : ١٠٩) فكيف تكون ـ إذا ـ بخيرة المتعنتين.
ثم وليست آية الرسالة هي الهادية لو أن المرسل إليه لا يريد الإيمان ،