وأخيه ، ولو كان الحسد الباعث لما انبعثوا هو من تلك الرؤيا ، لكانت أحق بالذكر بلاغة في ذلك المسرح ، ودون ذكر لاخي يوسف إذ لا تشمله رؤياه ، ولكنهم يتحدثون عن (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا ..) ولو كانوا يعلمون رؤياه لكانت أحرى بذكرهم إياه فقط ، وأدعى أن تلهج ألسنتهم بحقدهم.
فإنما ملامح الحب ـ فقط ـ ومسارحه او مصارحه هي الباعثة لقولتهم هذه وفعلتهم ، ولا سيما أن الحب أصبح يزيد ـ بطبيعة الحال ـ لمكان رؤياه ، فقد حان ـ إذا ـ حين كيدهم له كيدا (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
ثم «وأخوه» هنا دون «أخونا» تلمح أنه وإياه كانا من أم أخرى ، ولأنه الأكبر ، والحب الأبوي له أكثر ، لذلك يتوحد كيدهم عليه دون أخيه ، إذ لا مكان له دونه كما كان (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ).
(لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ..) : جماعة يتعصب بعضنا لبعض فان أمنا واحدة ، ولأننا كثرة وهما قلة ، فنحن ـ إذا ـ مجموعة قوية تدفع وتنفع وأقوى منهما في بعدين اثنين ، ولو كان أبونا يعرف صالحنا وصالحه لكان يحبنا أكثر ، أم ـ لأقل تقدير ـ لم يفرق بيننا ، ففي ترجيحه المرجوح على الراجح والمفضول على الفاضل ضلال وزلة : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ضلال مؤكّد بحر في التأكيد ، يبين نفسه بما أبان من حبه لهما أكثر منا.
نحن العصبة القوية ندير شؤون حياة العائلة إيكالا وكلّا وهما صغيران ليس لهما دور فيها إلّا أكلا وكلّا ، فلما ذا ـ إذا ـ هما أحب إلى أبينا منا ، وهذا ضلال مبين عن صراط الحياة البيتية والاجتماعية ، مهما كان أبونا نبيا مهديا في الحياة الروحية.
أترى ان ذلك الحب الأبوي الزائد كان ـ فقط ـ لأنهما صغيران؟ وهو سنة