لكفرهم هذا إلّا كلمة الرسالة الجامعة لكل الرسل : (قُلْ هُوَ رَبِّي) الذي رباني بهذه الرسالة السامية دون ظنّة ولا ضنّة ، وكما هو رب الرسل الذين خلوا من قبل ، فقد رباني بتلك التربية المكملة لما خلت حتى أربيكم بها فتفوقوا كل أمة خلت (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) الذي رباني ورباهم ورباكم ، فالرسالة واحدة من رب واحد مهما اختلفت درجاتها ، وإن كنتم صامدين في نفوركم وكفوركم ، متربصين بي دوائر السوء فها ، أنا ذا (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في رسالتي ودعوتي كما في كل شئوني ، لا عليكم ، حتى إذا كفرتم أترك دعوتي أو أكفر (وَإِلَيْهِ مَتابِ) ومرجعي في نهايتي لا إليكم (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ)(١٣ : ٤٠).
وهذه حجة قائمة صارمة تقضي على كل لجة عارمة وشجة خارمة ، فإنهم مهما ارعدوا وأبرقوا ف (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
يا عجبا أنهم يكفرون بالرحمن الذي تطمئن بذكره القلوب ، ويؤمنون بالجبت والطاغوت ، يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ولكنك لا شأن لك إلّا (لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) :
(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ)(٣١).
إن هذا القرآن فيه الكفاية الوافية لمن يتحراه ويسمعه ويراه ويفكّر في مدلوله ومغزاه ف (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٥٩ : ٢١).
إن هذا القرآن تسيّر به العقول غير المعقولة بعقالات الهوى ، وتقلب به القلوب غير المقلوبة عن الهدى ، (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ