يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٧ : ٣٤).
فكل أمة رسالية لها أجل طال أم قصر كما حدده الله ، وأجل الأمة الإسلامية أجل الكون كله وهو القيامة الكبرى ، ولكل أجل كتاب يرسم شرعته وحيا هو الشرعة ، وآية رسالية تثبت الشرعة ، وكما ليس الشرائع شرعة واحدة إلا في جذورها وهي الدين الواحد ، كذلك آياتها ليست واحدة إلا في مدلولاتها وهي إثبات وحي الشرعة.
فكتاب كل أمة وحيا وآية الوحي يناسب أجله طوله التاريخي وعرضه الجغرافي ، وكتاب الأمة الإسلامية يجاوب في خلوده أجلها حتى القيامة الكبرى عبر الأمصار والأعصار ، فلا كتاب يحق له إلا كتابه الذي جمع وحيه وآية وحيه ، كتابا منقطع النظير عن كل بشير ونذير ، مهيمنا على ما بين يديه من كتاب ، ومتقدما على تقدم الزمن بكل عقلية وعلمية بارعة ، بل هو أمام العلم وإمامه ، (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً)!
فلا يملك آجال الأمم وكتبهم إلا الله دون رسل الله (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) دون تخويل له ان يأتي بها كما يشاء ، ولا تعطيل ألّا يأتي الله بأيّة آية ، فان فيه تعطيل الرسالة ، بل هو عوان بين ذلك دون إفراط التخويل ولا تفريط التعطيل ، بل هو إذن الله قرينا بفعل الرسول أم دون فعله ، وإنما التدليل على أن الآية للرسول حتى يصدّق في وحيه الرسالي بالآية الإلهية.
(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) ٣٩.
آية وحيدة منقطعة النظير لا ثانية لهما في سائر القرآن إلا أم الكتاب : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٤٣ : ٤) ولان المحو ليس إلا إذهاب الكائن برسمه أو أثره ، والإثبات هو استمراره ، فمقسم المحو والإثبات هو الثابت قبلهما بثبات يقبل المحو والإثبات.