ولأن الثبات الأول هو قبل المحو والإثبات ، فليكن هو الأم الثابت في علم الله ، وفيه كل كائن أيا كان وأيان إلى يوم القيامة ، ثم الكتاب هو تحقيق العلم وتطبيقه ، محوا لبعض بعد ردحه إلى اجله كما يشاء ، وإثباتا لآخر كما يشاء ، «وهل يمحى إلا ما كان وهل يثبت إلا ما لم يكن» (١)؟
ف «لكل أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه وليس شيء يبدو له إلا وقد كان في علمه إن الله لا يبدو له من جهل» (٢) و «ما بدا لله في شيء إلا كان في علمه قبل أن يبدو له» (٣) فلا يعني البداء علما بعد جهل ، بل فعلا كان يعلمه قبل ويجهله خلقه فبدا لهم غير ما كانوا يظنون.
فلا محو في علمه بعد كونه ، ولا إثبات فيه بعد أن لم يكن ، وإنما محو وإثبات في تكوين أو تشريع لما كان في سابق علمه ، فصبغه بسابغ مشيئته وإرادته وقدره وقضائه وإمضائه.
ولأن قوله قبل (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) قد يخيّل إلى جاهله أنه يبدو له تعالى فيما يؤجّل من أجل ويكتب من كتاب ، فآية المحو والإثبات تقرر كضابطة سارية أن المعلوم من تكوين وتشريع في الخلق عند الله ، إنه لا تتغير عما كان ، فإنما يمحو مما كان ، ويثبت مما كان أجلا وكتابا أم أيا كان ، في مرحلة الخلق والإبرام.
فقد يمحو عن الخاطرة خطرة كانت منذ زمن بعيد أو قريب ، أم يثبتها
__________________
(١) في الكافي وتفسير العياشي بإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الآية ..
(٢) نور الثقلين ٢ : ٥١٢ عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول : ان الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء وعنده ام الكتاب وقال : لكل امر ..
(٣) المصدر : ٥١٦ باسناده عن عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام) : ...