هياجا فيما اعتزم ، فهي سياج عما اعتزم ، وحائطة على ما اعترم.
(قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) دون ان يبيّن سبب الحزن ، ولكيلا يذهب مذهب التهريج. أنه يخافهم عليه ، لمح إلى سبب له : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) رمية إلى هدفين ، بيان سبب ، وارشاد الى عاذرة لهم حين يرجعون ، فإنهم ـ ولا بد ـ سوف يبحثون عن عذر ، فليكن : أكله الذئب ، فقد «قرب يعقوب لهم العلة اعتلوا بها في يوسف» (١).
وهب (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي ..) صدق صراح دونما ليّ ولا تورية ، حيث إنّ كيدهم فيه ، وبعده عن أبيه ، كل يسبب حزنه ، ولكن (أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) تلقين للكذب حيث الذئب لا يأكل الإنسان وإنما يفترسه ، وحتى إذا يأكله وكما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تلقنوا الناس فيكذبوا فإن بني يعقوب لم يعلموا ان الذئب يأكل الإنسان فلما لقنهم أبوهم كذبوا فقالوا أكله الذئب» (٢).
ان (يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) صدق في ناحية حيث الافتراس أكل ، وتعليم لعاذرة ، حائطة لكي لا يقتلوه ويكتفوا في امره بان اكله الذئب من أخرى ، فقد لقنهم هذا الجواب ، وتلقين الكذب حفاظا على النفس فرض لا محالة ، قضية الدوران بين واجب كبير ومحرم صغير ، بل ليس محرما على أية حال حيث الذئب يفترس ويأكل ، ام إن «أخاف» ينحو منحى خوفه عما يفعلون ، ثم يفتعلون (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ).
ولكي لا يصارح في (أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) قولهم (إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٤١٥ ح ٢٠ عن علل الشرايع باسناده الى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ان بني يعقوب لما سألوا أباهم يعقوب ان يأذن ليوسف في الخروج معهم قال لهم : (أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) فقال (عليه السلام) : قرب ...
(٢) نفس المصدر.