فقد أدرك يعقوب من دلائل الحال ، ومن شغاف القلب ، حيث القلب يهوى إلى القلب ، أن دعواهم كذب : (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) فأنفسكم الحاسدة سولت لكم وزينت أمركم الإمر وأنتم تحسبون أنكم تحسنون صنعا ، وليس مني في هذه الداهية إلّا (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) : «لا شكوى فيه فمن بث لم يصبر» (١) (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) صبر جميل في الله واستعانة فيما يصبر عليه بالله ، دونما شكوى إلى غير الله ، ولا استعانة بغير الله.
ليس الصبر في ميزان الحق خنوعا على الظلم وخشوعا لدى الظالم يفعل ما يشاء ، فانه ظلم ذو بعدين ، فانما هو استقامة في القلب ، وحفاظ على النظام النفسي من التبعثر ، وانضباط للجمعية الداخلية من التفرق والتمزق والتعثّر ، وعدم الخروج عن الاعتدال بحق الله وحق الناس ، حينما تكلّ الأسباب عن دفع النازلة.
فعدم التصبّر عند هذه النوازل ، يخلّف كل تبعثر وتعثّر ، فهو نائبة فوق نائبة ، ونازلة تلو نازلة ، قد تربوا على أصل النازلة ، كمن لا يملك نفسه عند هياج النوازل فيقول في ربه ما لا يحمد ، ويفعل بعباد الله ما لا يجوز.
ثم وذلك الصبر منه جميل ومنه غير جميل ، كمن يشكوا بلواه إلى غير
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ١٠ بإسناد عن حيان بن أبي جميلة قال سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قوله (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) قال : لا شكوى ... وفي هامش نور الثقلين ٢ : ٤١٧ نقلا عن كتاب سعد السعود لابن طاووس نقله من تفسير أبي العباس بن عقدة عن عثمان بن عيسى عن المفضل عن جابر قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) ما الصبر الجميل؟ قال : ذاك صبر ليس فيه شكوى الى الناس.