وأين الصبر لجميل في هذه الداهية على علمه بحياته تحقيقا لتأويل رؤياه ، والنوح عليه إلى الهاوية كأنه مفترس تجاهلا عن تأويل رؤياه؟.
لحد الآن حققوا ما حسدوه ، ثم وما ليوسف المحسود بعد ذلك الحقد الحقود؟ وبعد ان رأى رؤياه فأكرمه أبوه أكثر من الإخوة.
إنه في مرحلة ثالثة يصبح سلعة وبضاعة بثمن بخس دراهم معدودة ، من اخوته أمّن ذا ممن شروه ، ثم إلى مثواه المكرم ، ثم المتهوّس لحريم البلاط ، ومن ثم السجن لردح بعيد من الزمن ، ثم العزة العزيزة ، وفي ثامنة المراحل (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) تحقيقا حقيقا له من رؤياه ، بعد ما اجتاز هذه السبع وكلها رزايا في مختلف القضايا!.
ومن هنا يسدل الستار على يعقوب والإخوة ، عيادة ليوسف ، وعودا سريعا إليه في الجب ، لنرى وعد الله له في وحيه :
(وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ)(٢٠):
«سيارة» وهي كثيرة السير ، توحي بان الجب كانت على طريق القوافل ، المعبدة ، حيث يبحث عن الماء والكلاء ، وهو تأييد ثان أن الجب هي بئر الماء بين الكلاء ، و «واردهم» هو قاصد الماء بينهم ، الموظف لسقيهم (فَأَدْلى دَلْوَهُ) : أرسل دلوه في الجب ، فإنّ أدلى ودلى متعاكسان إدخالا وإخراجا ، والمناسب هنا الإدخال ، ام والإخراج بمناسبة البشرى : (قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ) يبشر به السيّارة أن حصل على غلام حين نزح الماء ، ام يعنيهما معا حيث ادخل دلوه وأخرج ، مهما كانت البشرى للإخراج. (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ وَشَرَوْهُ ..).