أترى من هم الذين أسروه وشروه ، أهم إخوته؟ وقد أسدل الستار عليهم إلى السيارة! ولماذا يسرونه بضاعة وهو لهم! وهم لم يذهبوا إلى مصر حتى يشروه بثمن بخس! ام هم أسروه بضاعة والسيارة شروه؟ فكذلك الأمر! ثم كيف هم يسترونه والسيارة يشرونه بدل ان يشتروه ، ثم يشروه في مصر! ام هما السيارة أسروه بضاعة مخافة ان يأتي صاحبه فيأخذه ، ثم شروه بثمن بخس حيث الملتقط لا يشرى غاليا وكما يسوى في السوق الحر ، ولأنه قد ياتي صاحبه فيأخذه ممن اشتراه فليبخس فيه لذلك من اشتراه ، ولأنّه كانت عليه ملامح الحرية دون أية لمحة من الرقية ، فلذلك كله تشرى هذه البضاعة بثمن بخس دراهم معدودة (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ)!
فيا لله «قد كان يوسف بين أبويه مكرما ثم صار عبدا حتى بيع أخس وأوكس الثمن ثم لم يمنع الله ان بلغ به حتى صار ملكا» (١).
والبخس هو نقص الشيء على سبيل الظلم ، وذلك ظلم بالغ من السيارة بحقه بعد ظلم اخوته ، فإن ملامح الرقية فيه منفية ، ومظاهر الحرية ثابتة ، ولم يكن يوسف ليسكت ـ لأقل تقدير ـ عن أنه حرّ ، فكيف يشرى وهو حرّ ، ولماذا بثمن بخس إذا هو رق؟ مظالم بعضها فوق بعض.
والدراهم هي النقود الفضّية ، والمعدودة هي الخفيفة حيث الثقيلة توزن ولا تعد ، وهذه قلة في قلة ، قلة في أوزانها ، وقلة في أعدادها ، يشرى بها من لا يسامى بأغلى ثمن (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) بحقه من بخس وإهانة ومسّ من كرامة ، وهذه نهاية المحنة الأولى في حياة ذلك النبي الكريم.
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٤١٨ ج ٣٧ العياشي عن عبد الله بن سليمان عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : قد كان ...