كان وسوف يكون ، نبيا وإلها في الله ، متيّما في حب الله ، لا يجلو له جمال دون جماله ، ولا جلال أمام جلاله.
فهب إنها غلقت الأبواب التي كانت بيدها مفاتيحها ، فهل لها أن تغلق باب قلبه إلى الله ، المليء من حب الله ، الخالي عما سوى الله ، فلا يستمسك في هذه الهزاهز بأسباب غير الله ، إلّا بعروة التوحيد : (مَعاذَ اللهِ).
فما أبعد قلبا عن قلب ، قلبا لامرأة العزيز مقلوبا غزيرا من الشهوات واللهوات ، حيث أسعرت في سرها كل لهيب إلى علانيتها ، وأججت كل نار حتى استغرقت في حب فتاها ، وتولهت في غرامه ، واشتغلت به عن كل شيء ، فهو بداية منطقها ونهايته ، وهو في ضميرها حين تسكت (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) حيث دخل شغاف قلبها (١).
وقلبا ليوسف الصديق لا يحن إلّا إلى الله ، وليس فيه إلّا حب الله ، متناسيا عن حب من سواه إلّا فيه ، فكيف يعشق امراة ذات بعل مهما كان لجمالها ومالها من جواذب.
لذلك يقول في جوابها (مَعاذَ اللهِ) لأنه الله و (إِنَّهُ رَبِّي) لا سواه (أَحْسَنَ مَثْوايَ) لا سواه ، فقضية ألوهيته أن يتقى ، وقضية ربوبيته أن يتقى ، ولأنّه أحسن مثواي ، وإن كان ربك العزيز أمرك أن (أَكْرِمِي مَثْواهُ)
__________________
(١) في معاني الاخبار باسناده عن أبي حمزة الثماني عن السجاد (عليه السلام) في حديث يوسف الطائل قال (عليه السلام) وكان يوسف من أجمل اهل زمانه فلما راهق يوسف راودته امرأة الملك عن نفسه فقال : معاذ الله إنا اهل بيت لا يزنون فغلقت الأبواب عليها وعليه وقالت لا تخف والقت نفسها عليه فأفلت منها هاربا الى الباب ففتحه فلحقته فجذبت قميصه من خلفه فأخرجته منه فأفلت يوسف منها في ثيابه فالفيا سيدها ..