وقد عاشرته طول سنين حتى إذا بلغ أشده :
(قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ)(٣٢).
في ذلك الموقف القاهر والمشهد الظاهر الشاهر تجد مجالا للاعتراف بالمراودة مفتخرة بها ، متجهة فيها بعد تجسد الجواب عن مكرهن : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) حيث بهرني كما بهركن «فاستعصم» معانيا فيه تحرزا عما يعاينه ، وهو في الحق استعصام بالعصمة الإلهية وهي برهان ربه ، بعد الاستعصام بكل الطاقات البشرية.
وليست هي الآن لتكتفي بهذه وتلك ، إلّا ان تنهيها بثالث الثالوث بتهديد له بالغ ، حيث تظهر سيطرتها عليه أمامهن بتبجّح المرأة في ذلك الوسط دون اختجال ، فلا ترى بأسا من التجاهر بنزواتها الأنثوية مكشوفة ، وبكل افتخار في معرض النساء : (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) فهي في بداية الفضيحة أمام العزيز تردّد الأمر في غير تأكيد بين (أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) طالبة منه أحد الأمرين ، وهنا تؤكد بنفسها عليه الأمرين في تأكيدين (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) كأنها هي الآمرة والعزيز يطبّق أمرها كما تريد.
أفتاي هذا الذي ربّيته وأكرمته يستعصي أمري وهو من المكابرين ، فليسجن إذا وليكونن من الصاغرين ، لكيلا يكابرني بعد فيما آمره.
وإلى ذلك الحد الحديد الشديد تصل القحة في البلاط وقصور المترفين ، ولا سيما في الوقت الذي تجد صاحبة البلاط صاحباتها في سعار أكثر منها فما يصنع ـ إذا ـ يوسف الصديق :
(قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ