فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(٣٤).
تحاشى يوسف هنا أن يجاوبها والنسوة ، وانصرف إلى ربه ملتمسا داعيا أن يصرف عنه كيدهن ، ففي دوران أمره بين أن يصبوا إليهن أو أن يسجن ويكون من الصاغرين ، هو يستحب السجن دون صبو ولا صغار : «رب» الذي ربيتني وخلصتني حتى الآن من كل سوء وفحشاء (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) فذلك سجن للبدن حفاظا على حرية الروح في عبوديته ، وهذا سجن للروح ورقية للهوى وفيه حظوة الجنس وحرية الشهوات بضروبها ، ولكني رجل الروح قبل الجسم ، فما الجسم إلّا ليحمل الروح في صالحه.
أتراه دعى على نفسه بالسجن وهو عار أن سبّبه التهمة ، ولا سبيل إليه إلّا هيه؟ كلا! وإنما هو بيان حال أن لو انحصر أمري بين واقع العار وتهمته فالسجن التهمة أحب إلي فرارا عن واقع العار!.
إذا فلما ذا لم يطلب إلى ربه صرف كيدهن عنه بلا أن يسجن ، صرفا للمحظورين و (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)؟
ذلك ، وعلّه استسلام للرب وابتعاد عن المحظور حتى إن قدّر أن يسجن ، ومحور الدعوة (إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ ...) ولو بالسجن ، ولم يستجب ربه إلّا في ذلك الصرف : (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ..) لا أن قدّر سجنه وصرف الكيد عنه!.
وكيف يحتاج يوسف ـ بعد ما رأى برهان ربه فلم يهم بالعزيزة ـ أن يصرف ربه عنه كيدهن ، وفي برهان الرب وهو العصمة كفاية هنا كما هناك؟
ذلك لأن العصمة والقوة القدسية المفاضة على يوسف ، ليست بالتي